تعريف بالنوايا

  • 1 أنواع النية

    النية نوعان:

    [1] نية مفروضة، ولا تصح العبادة إلا بها، كالنية في الوضوء والصلاة والزكاة والصوم والحج، وهذه النية لا يكاد يغفل عنها أحد، فإذا توضأ الإنسان ليصلي أو ليمس المصحف أو ليكون طاهرًا، فقد أتى بالنية. فقصد الصلاة، أو قصد رفع الحدث، هذا هو النية في الوضوء. وإذا قام المرء للصلاة، وهو يعلم أنها صلاة الظهر مثلًا، فقصدَ أن يصليها وأقبل عليها، فقد أتى بالنية، ولا يجب -بل ولا يشرع- أن يقول بلسانه نويت أن أصلي صلاة الظهر حاضرة... إلخ، كما يفعله بعض الناس، فإن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل النية محلها القلب. وهكذا إذا عزم الإنسان من الليل على أنه سيصوم غدًا، فقد نوى الصوم، بل تناوله طعام السحور، يدل على قصده الصوم وإرادته له. فالنية بهذا المعنى يصعب أن ينساها الإنسان.

    [2] - والنوع الثاني: نية مستحبة، لتحصيل الأجر والثواب، وهذه التي يغفل عنها بعض الناس، وهي استحضار النية في المباحات، لتكون طاعاتٍ وقربات، كأن يأكل ويشرب وينام بنية التقوى على الطاعة، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

    «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ».

    وقال معاذ رضي الله عنه: "أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي".

    فكان رضي الله عنه يحتسب الأجر في النوم، كما يحتسبه في قيام الليل، لأنه أراد بالنوم التقوّي على العبادة والطاعة.

    فهو كان  يطلب الثواب في الراحة كما يطلبه في التعب ؛ لأن الراحة إذا قصد بها الإعانة على العبادة حصلت الثواب".


    والذي يعين على استحضار هذه النية:

    • التأني.

    • التدبر.

    • عدم العجلة.

    فيفكر الإنسان فيما يأتي ويذر، ويحاسب نفسه قبل العمل، فينظر هل هو حلال أو حرام، ثم ينظر في نيته: ماذا أراد بذلك؟

    فكلما حاسب نفسه، وعودها النظر قبل العمل، كلما كان ذلك أدعى لتذكره أمر النية، حتى يصير ذلك ملكةً له، وعادة يعتادها، فلا يخرج ولا يدخل، ولا يأكل ولا يشرب، ولا يعطي ولا يمنع، إلا وله نية في ذلك، وبهذا تتحول عامة أوقاته إلى أوقات عبادة وقربة.

    نسأل الله تعالى أن يوفقنا للإخلاص في النية والقول والعمل والله تعالى أعلى وأعلم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.

  • 2 أهمية النية

    النية تحِّول المباحات إلى طاعات وقربات، فلهذا ينبغي العناية والاهتمام بها، وجعلها لله تعالى، خالصة من شوائب الرياء والسمعة ولا شك أن تصحيح النية، واستحضارها في بداية العمل، من أعظم ما ينبغي أن يشتغل به العابد، فإن عليها مدار قبول العمل أو رده، وعليها مدار صلاح القلب أو فساده؛ فإن القلب لا يصلح إلا بأن يكون عمله وسعيه لله خالصا مما سواه.

    يتعدد الأجر بتعدد النية في العمل الواحد، فإذا دخل المسلم المسجد متوضئًا، فصلى ركعتين ينوي بهما سنة الفجر، وسنة الوضوء، وسنة تحية المسجد، حصل له أجر ما نوى، والله ذو الفضل العظيم.

    قال النووي رحمه الله تعالى: "لَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ يَنْوِي بِهَا الْفَرْضَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَحَصَلَ لَهُ الْفَرْضُ وَالتَّحِيَّةُ جَمِيعًا “

    وقال الغزالي "الطَّاعَاتُ.. مُرْتَبِطَةٌ بِالنِّيَّاتِ فِي أَصْلِ صِحَّتِهَا، وَفِي تَضَاعُفِ فَضْلِهَا. أَمَّا الْأَصْلُ فَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا عِبَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا غَيْرُ، فَإِنْ نَوَى الرِّيَاءَ صَارَتْ مَعْصِيَةً. وَأَمَّا تَضَاعُفُ الْفَضْلِ فَبِكَثْرَةِ النِّيَّاتِ الْحَسَنَةِ، فَإِنَّ الطَّاعَةَ الْوَاحِدَةَ يُمْكِنُ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا خَيْرَاتٍ كَثِيرَةً، فَيَكُونُ لَهُ بِكُلِّ نِيَّةٍ ثَوَابٌ إِذْ كل واحدة منها حسنة ثم تضاعف كل حسنة عشر أمثالها كما ورد به الخبر. 

    وَمِثَالُهُ: الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ: 

    -فَإِنَّهُ طَاعَةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْوِيَ فِيهِ نِيَّاتٍ كَثِيرَةً حَتَّى يَصِيرَ من فضائل أعمال المتقين، ويبلغ به درجات المقربين.

    • أَوَّلُهَا: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ بَيْتُ اللَّهِ، وَأَنَّ داخله زائر الله فيقصد به زيارة مولاه رجاء لما وعده به رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قال: «من قعد في المسجد فقد زار الله تعالى وحق على المزور أن يكرم زائره».

    • ثانيها: أَنْ يَنْتَظِرَ الصَّلَاةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ.

    • ثالثها: التَّرَهُّبُ بِكَفِّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْأَعْضَاءِ عَنِ الْحَرَكَاتِ والترددات، فإن الاعتكاف كف، وهو في معنى الصوم وهو نوع ترهب.

    • رابعها: عُكُوفُ الْهَمِّ عَلَى اللَّهِ، وَلُزُومُ السِّرِّ لِلْفِكْرِ فِي الْآخِرَةِ، وَدَفْعُ الشَّوَاغِلِ الصَّارِفَةِ عَنْهُ بِالِاعْتِزَالِ إلى المسجد.

    • خامسها: التَّجَرُّدُ لِذِكْرِ اللَّهِ أَوْ لِاسْتِمَاعِ ذِكْرِهِ وَلِلتَّذَكُّرِ به.

    • سادسها: أَنْ يَقْصِدَ إِفَادَةَ الْعِلْمِ بِأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، إِذِ الْمَسْجِدُ لَا يَخْلُو عَمَّنْ يسئ في صلاته أو يتعاطى مالا يَحِلُّ لَهُ.

    • سابعها: أَنْ يَسْتَفِيدَ أَخًا فِي اللَّهِ.

    • ثامنها: أَنْ يَتْرُكَ الذُّنُوبَ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَيَاءً مِنْ أَنْ يَتَعَاطَى فِي بَيْتِ اللَّهِ ما يقتضي هتك الحرمة.

    وبعد................ 

    فَهَذَا طَرِيقُ تَكْثِيرِ النِّيَّاتِ، وَقِسْ بِهِ سَائِرَ الطاعات والمباحات، إِذْ مَا مِنْ طَاعَةٍ إِلَّا وَتَحْتَمِلُ نِيَّاتٍ كَثِيرَةً، وَإِنَّمَا تَحْضُرُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ بِقَدْرِ جدِّهِ فِي طَلَبِ الْخَيْرِ، وَتَشَمُّرِهِ لَهُ، وتفكره فيه، فبهذا تزكوا الْأَعْمَالُ وَتَتَضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ" 

  • 3 شروط قبول الأعمال عند الله تعالى

    يشترط في العبادات حتى تقبل عند الله عز وجل ويؤجر عليها العبد أن يتوفر فيها شرطان:

    الشرط الأول: الإخلاص لله عز وجل، قال تعالى:

    {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}

    [البينة:5]

    ومعنى الإخلاص هو: أن يكون مراد العبد بجميع أقواله وأعماله الظاهرة والباطنة ابتغاء وجه الله تعالى، قال تعالى:

    {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى. إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى}

    [الليل:19-20].

    وقال تعالى:

    {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا}

    [الإنسان:9].

    وقال تعالى:

    {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ}

    [الشورى:20].

    وقال تعالى:

    {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

    [هود:15-16]

    وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

    قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»


    الشرط الثاني:

     موافقة العمل للشرع الذي أمر الله تعالى أن لا يُعبد إلا به وهو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الشرائع فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:

    «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»

    وأمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنته وهديه ولزومهما قال عليه الصلاة والسلام:

    «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ»

    وحذَّر من البدع فقال:

    «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كلَّ بدعة ضلالة»

    فكل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى، ولا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله، فليس لعامله فيه ثواب، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء.

     (قال ابن القيم: فإن الله جعل الإخلاص والمتابعة سببًا لقبول الأعمال فإذا فقد لم تقبل الأعمال)

    قال الله تعالى:

    {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}

    [الملك:2]

    قال الفُضَيْل: أحسن عملًا، أخلصه وأصوبه.

  • 4 مفهوم النية في الإسلام

     النية أمرها عظيم، وهي روح الأعمال، وبها صلاح الأعمال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»

    والنية محلها القلب، فلو لفظ بلسانه غلطًا خلاف ما في قلبه فالاعتبار بما ينوي لا بما لفظ.

    قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: [["أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عِظَمِ مَوْقِعِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَكَثْرَةِ فَوَائِدِهِ وَصِحَّتِهِ..." ثم قال: "قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرُهُمْ: لَفْظَةُ (إِنَّمَا) مَوْضُوعَةٌ لِلْحَصْرِ، تُثْبِتُ الْمَذْكُورَ، وَتَنْفِي مَا سِوَاهُ.
    فَتَقْدِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ: إِنَّ الْأَعْمَالَ تُحْسَبُ بِنِيَّةٍ، وَلَا تُحْسَبُ إِذَا كَانَتْ بِلَا نِيَّةٍ.

    وَفِيهِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ، وَهِيَ الْوُضُوءُ، وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالِاعْتِكَافُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ"]]

    وقال ابن رجب رحمه الله تعالى: "وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» إِخْبَارٌ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ عَمَلِهِ إِلَّا مَا نَوَاهُ بِهِ، فَإِنْ نَوَى خَيْرًا حَصَلَ لَهُ خَيْرٌ، وَإِنْ نَوَى بِهِ شَرًّا حَصَلَ لَهُ شَرٌّ، وَلَيْسَ هَذَا تَكْرِيرًا مَحْضًا لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى دَلَّتْ عَلَى أَنَّ صَلَاحَ الْعَمَلِ وَفَسَادَهُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِإِيجَادِهِ، وَالْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ ثَوَابَ الْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ بِحَسَبِ نِيَّتِهِ الصَّالِحَةِ، وَأَنَّ عِقَابَهُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ نِيَّتِهِ الْفَاسِدَةِ، وَقَدْ تَكُونُ نِيَّتُهُ مُبَاحَةً، فَيَكُونُ الْعَمَلُ مُبَاحًا، فَلَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، فَالْعَمَلُ فِي نَفْسِهِ صَلَاحُهُ وَفَسَادُهُ وَإِبَاحَتُهُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ الْحَامِلَةِ عَلَيْهِ، الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُودِهِ، وَثَوَابُ الْعَامِلِ وَعِقَابُهُ وَسَلَامَتُهُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ الَّتِي بِهَا صَارَ الْعَمَلُ صَالِحًا، أَوْ فَاسِدًا، أَوْ مُبَاحًا]]

    ومن هذا الحديث الشريف الجامع المانع من الممكن أن نستنبط نقاطا مهمة لنوايانا في حياتنا مناها: - 

    1-النية لا تُحوّل المعصية لعمل صالح.

    2- الأعمال لا تصح إلا مع وجود النية.

    3-النية تؤثر في العمل، فتحوّل المباح إلى قربة وطاعة، وتحول الطاعة إلى معصية، كمن يفعلها رياء وسمعة أو لأجل الدنيا، لكنها لا تحول المعصية إلى مباح كما يظن ذلك بعض الناس. 


  • كتاب النيات

    كروت دعوية